Mohamed Hamwiعشر خطوات تجريبية - خطوات في الكتابة الإبداعية - Mohamed Hamwi

عشر خطوات تجريبية – خطوات في الكتابة الإبداعية


المقال الثالث

 

بعد أن بيّنا في المقالين السابقين أهمية الكتابة وكيفية القيام بها خارج سيطرة العقل الرقيب.. لابد لنا من تدريبات عملية تنفيذية تجعل عملية الكتابة أكثر سهولة وأكثر قابلية للتكرار اليومي والتطوير المتواصل.

وقد قمتُ في هذا المقال بحصر عشر خطوات تجريبية أخذتْ حيزا واسعا في تجربتي الأدبية منذ ان بدأتُ الكتابة. وأرى تلك الخطوات ذات فاعلية كبيرة في جعل الكتابة أمرا يوميا مستساغا دون قيود أو أعباء..
أي أن تصبح الكتابة مستمرة متداخلة تماما مع نسيج اليوم فتخرج من كونها تكليفا أو بذلا مرهقا..

ولازال بعض تلك الخطوات قيد الاستخدام بالنسبة لي حتى اليوم.

عشرة خطوات في سبيل تطوير الكتابة الإبداعية.

1-  منذ اليوم احتفظ في جيبك دائما بدفتر صغير.. ابحث عن نوعية ورق تحبها متاحة متوفرة دائما ورخيصة.. ابتعد عن الدفاتر الكبيرة وركز اهتمامك حاليا بالدفاتر الصغيرة  Note book.. لماذا؟

لأن الدفاتر من هذا النوع ستنتهي بسرعة أكبر وستشعر بإنجازك عند انتهائك من الدفتر كل فترة وجيزة.
ولماذا رخيص؟ لأنك ستشتري منه بشكل دائم.. وفي الوقت نفسه كي لايكون لديك أي تخوف من أن تكتب عليه أشياء غير مهمة.. الدفتر الرخيص المتاح يجعلك حرا..
وأن تكون حرا هو الأمر الأول والأهم في عملية الكتابة المستمرة.

2- اشتر قلما من نوع أقلام الحبر السائل التي يسيل الحبر منها سريعا.. الأقلام السلسة لا الأقلام الفاخرة البطيئة.. لماذا؟ كي تستطيع الكتابة بسرعة ودون عودة وتقييد. أنت لا تريد أن تتوقف عملية السلاسة التعبيرية عندما تبدأ الكلمات بالانفلات من قلمك خارج العقل الرقيب.. خاصة إن كان ما يؤخر تلك العملية قلم بطيء أو منمق يحتاج إلى حبر في كل مرة.. أو من تلك الأقلام الجافة ذات السنن الخشنة التي يؤخر احتكاكها بالورق من سرعة الكتابة.. أنت تبحث عن قلم متزلج.. يتزحلق فوق الورق.. تخيل قلمك زلاجة ناعمة السطح والورق جليد بلا نتوءات.. اكتب كأنك تتزلج.. بسرعة وانسيابية.. دع الكلمات تخرج كأنها آثار تزلجك على تلك الأوراق.

3-  لا تجعل المكان قيدا بالنسبة لعملية الكتابة.. اكتب في أي مكان.. في السيارة رغم الاهتزاز.. لا بأس لن تحكم لجنة دولية على نظافة الورقة أو روعة الخط.. في الحديقة العامة.. في المطعم.. في المنزل وأنت مستلقٍ قبل النوم.. على ضوء شمعة.. تحت وهج الشمس.. اجعل الدفتر الصغير صديقك أينما ذهبت.. وحاول أن تكتشف متعة لون الحروف فوق الورق الأبيض.. ثق تماما  بأن شعورك بتلك المتعة وبشكل حقيقي وأصيل.. هو ما سيجعلك تكتب كما لم تكتب من قبل .

4-  اجعل شعارك في الكتابة:

اكتب.. اكتب.. ثم اكتب..

اكتب كل شيء وعن كل شيء.. لا تخشَ الأخطاء.. لن يقوم أحد بنشر هذا الذي تكتبه.. أنت تكتب لنفسك.. وعن نفسك.. أخرج ما بداخلك.. اجعل يدك معبرا سريعا لروحك.. انقل روحك وفكرك إلى الورق.

5-  حذار من المراجعات.. وإياك والعودة إلى التصحيح.
حذار من رقابة التفكير والوعي المباشر.. فالرقيب العقلي (أو العقل الرقيب) الذي بنيناه في عقولنا دون أن نعي هو العدو الأول للكتابة.. هدفك أن تصل إلى المرحلة الرائعة التي تبدأ فيها بالكتابة بمجرد أن تضع يدك على الورقة.. كلما شدد وعيك الرقابي قبضته عليك وأمرك بإعادة كلمة أو تصحيحها أو تعديلها أو تجميل خطك أو ضبط الفكرة أو أو أو.. استمر ولا تتوقف ولا تلقِ بالا لذلك.. لماذا؟ لأن ما تكتبه الآن لن يشكل فرقا إن عدلته أو نقحته.. فأنت تحاول التواصل مع ذاتك.. والعقل الرقيب يمنعك من إخراج ماهو بداخلك على ورق.. هو يبحث عن حماية لتلك التعبيرات بتقييدها.. المهم في كتابتك تلك أن تستمر وتستمر.. المهم أن تملأ الأوراق بالكلمات.. أن تشعر بأنك تركب لوح تزلج كما قلنا سابقا وتتزحلق على الورق بحرية وسلاسة ومرونة بلا توقف ولا عثرات ولا ضبط.

(ملاحظة: طبعا هذا يحتم عليك أن تقوم بحماية دفاترك تلك التي تكتب فيها بتلك الطريقة من الفضوليين.. ضع دفاترك المنتهية في مكان آمن.. وحاذر أن تنسى دفترك الذي بين يديك في أي مكان.)

6-  كلما توقفت جد لنفسك كلمة ما لتبدأ منها من جديد كي لا تتوقف أبدا.

مثلا :
أحب المطر لأنني أهوى استنشاق رائحة الأوراق المبللة.. يعني لي ذلك منذ أن كنت صغيرا.. أن أطلق العنان لنفسي وأستنشق حتى أشعر بنشوة عارمة من ذلك العبق الجميل..
أحب المطر لأنني أهوى رؤية المظلات.. يغريني منظر المظلة.. وشكلها النصف دائري.. أحب ذلك الهلال المتقوس الذي يخفيني تحته فأشاهد المطر يهطل من جميع الجهات وأبقى أنا محميا في المنتصف.
أحب المطر لأنني أهوى…. الخ

7- حدد ساعة محددة يوميا للكتابة.
ستستغرب من فكرة التحديد وربما تقول ما يقوله الجميع: لا أستطيع الكتابة إلا عندما يحلو لي ذلك.. أو إلا عندما يأتيني الإلهام. حسن جدا.. هذا هو الخطأ الذي يقع فيه الجميع. العملية الإبداعية الحقيقية هي عملية منظمة وليست اعتباطية أو عشوائية أو عفوية.. لذلك يجب أن تختار وقتا معينا صباحا أو مساءً.. تخصصها فقط للكتابة وليس لأي شيء آخر.

جد الساعة المناسبة التي تكون فيها مستعدا للقاء نفسك.. فالكتابة هي لقاء مع النفس كما اتفقنا من قبل.. اجلس بشكل مريح وابدأ الكتابة.. ستجد الأمر صعبا في المرات الأولى.. لن تجد الكلمات المناسبة.. لن تعرف ما الذي ينبغي عليك كتابته.. وهنا تكمن المشكلة.. لا ينبغي عليك كتابة شيء بل ينبغي عليك التعبير الحر عما يجول بذهنك وداخلك.. في تلك اللحظة التي تستعصي عليك الكلمات تستطيع دائما أن تكتب ماتفكر فيه في ذات اللحظة:

((أفكر الآن في صعوبة إيجاد الكلمات.. لا أستطيع إيجاد الكلمة المناسبة للبدء.. تبدو الكلمات كلها متشابكة بشكل غريب.. ويبدو القلم جامدا.. ))

هل ترى.. لقد بدأت الكتابة فعلا.. وخرج السطر الأول على الورق أخيرا.. أكمل الآن كما يحلو لك.. من الممكن أن تصف القلم الذي تحمله بين يديك.. من الممكن أن ترجع بالذاكرة لتستحضر صورة قديمة لأول قلم كتبت به في مدرستك.. هل تذكره؟ هل تستطيع وصفه؟ من هنا تستطيع الانتقال إلى ذلك العالم من الذكرى.. ستكون كأنك ضربت يدك في عمق البحر فبعثرت رملا كثير لتكتشف الكنوز بين الغبار المنتشر.

لا تنس ذلك: في داخلك كنوز مدفونة للكتابة.. تستطيع دائما الحفر فيها والتنقيب.. وهنا ستكتشف متعة الكتابة الحقيقية.
ملاحظة: طبعا لا يعني تحديد ساعة محددة.. عدم الكتابة في ساعات النهار الأخرى.. اكتب متى شئت وفي أي وقت يحلو لك.. وحدد ساعة منتظمة بجانب ذلك.

8- لا تغرق بالتنميق وتلميع الحروف.. أنت هنا لا تخضع لدورة في تحسين الخط.
قد يزعجك العقل الرقيب بفرض التجميل والخط المنمق وهو ما سيوقف سلاسة الكتابة.. خاصة إن كنت تكتب مثلا في سيارة أو خلال السفر في القطار.. لن يجديك نفعا تنميق الخط في هذه الحالة.. ولذلك لا تلقِ بالا لهذا الأمر بل أكمل كتابتك الحرة السريعة بلا توقف.

9- القراءة هي وقود الكتابة.
وقودها على صعيد اللغة والتنوع اللغوي.. وقودها على صعيد الفكر والتنوع الإنساني.. ووقودها على صعيد الشعور والتنوع الوجداني.. ولذلك تذكر أن القراءة المنتظمة والمتنوعة ستكون زادا عظيما لشحن كتابتك وكلماتك.. وقد تشكل صفحة من كتاب جميل إلهاما كاملا لساعة من الكتابة المتواصلة دون توقف.

10- هدفك هو أن تكتب أكبر كمية ممكن وأطول فترة ممكنة..
بغض النظر عن الموضوع.. عن الخط أو عن صحة الأفكار.. هدفك أن تصل إلى المرحلة التي تخرج فيها الكلمات بسلاسة وتدفق على الورق بمجرد أن تمسك القلم وتبدأ الكتابة.
المهم أن تملأ الأوراق والصحفات.. لست حاليا في مرحلة الفلترة.. بل في مرحلة تسخين اليد لجعلها حرة تسير بلا قيود بمجرد لمسها للورقة..

امنح نفسك تلك الفرصة.. واملأ ما استطعت من الدفاتر الصغيرة.

..

يتبع..