Mohamed Hamwiلماذا نكتب - خطوات في الكتابة الإبداعية - Mohamed Hamwi

لماذا نكتب – خطوات في الكتابة الإبداعية


المقال الأول:

منذ أن بدأتُ الكتابة أخذت عهدا على نفسي بالابتعاد عن جعل النشر هو علة الكتابة..
واستبدلت تلك العلة بعلة أخرى أكثر رحابة وأكثر تنفسا في مجتمع يضيق بالكتّاب ويفخر بالمحاسبين.. ولم تكن تلك العلة سوى التعبير الحر عن النفس والتحليق في فضاء الكلمة واكتشاف الذات من منظور جديد أكثر حرية وصراحة.. بلا قيود ولا مخاوف.. ومن ثم إعادة التعرف على النفس الحقيقية المغروسة في الداخل والمدفونة تحت سنوات من العقل الجمعي ونظريات القطيع.. وهو ما أتاح لي لاحقا المصالحة النفسية وبناء الحيز الإنساني المتفرد من جديد بعيدا عن الإملاءات المسبقة والآبائية المفرطة.
لقد كانت الكتابة بالنسبة لي رحلة استبدلت ما كان يتم حياكته لي من قبل المجتمع من أدوار تقليدية هشة بدور حقيقي من نسيجي الشخصي.. أنا الوحيد المسؤول عنه.. بكامل حريتي واندفاعي ويقظتي ووعيي.
لقد أسستْ الكتابة في داخلي مشروعا إنسانيا لشخص يعرف نفسه.. يعي نقاط ضعفه.. ويسعى دوما نحو الأفضل دون جلد الذات المفرط.. ودون التميع المدلل.
وهي تجربة كثيرا ما حاولت تعميمها ونقلها إلى من حولي من أصدقاء وأقرباء مازالوا ربما يرزحون تحت وطأة المجتمع وقيوده وإملاءاته الأبدية.. أو يختنقون بنفوس عصية لم يتم مصالحتها مازالت تسبب لهم كل يوم الكثير من العذابات الداخلية الظاهرة والخفية.
واليوم أيضا مازلت أحاول نقل تلك التجربة من خلال هذا النص الذي هو واحد من عدة نصوص أخرى تمت صياغتها ضمن ملزمة عمل من جزئين فيها نصائح وخطوات في الكتابة الإبداعية.. وأرجو أن يجد من يقرأ تلك النصوص عونا ودعما مبدئيا في سبيل حياته الأدبية الحرة والتعبيرية المستقلة.

1- الكتابة وسيلة من وسائل التعبير عن الذات

حاول أن تفكر الآن بأي أمر.. مثلا.. ماهو شعورك عندما ركبت الطائرة أول مرة.. أو شعورك عندما انتقلت إلى منزل جديد.. أو شعورك عندما شاهدت بلدا جديدا؟
حاول أن تستحضر ذلك الشعور في ذهنك..
هل تستحضر اللحظة ؟ الشعور موجود في داخلك لكنه غير موصّف.. أنت متأكد من وجوده.. لكنك لم تقم بتوصيفه أو تحديد عناصره.
هل تستطيع توصيفه؟ هل كان شعورا جميلا؟ حزينا؟ باردا؟ مزعجا؟
حاول وصف ما جرى خلال ذلك الشعور.. هل بكيت؟ ضحكت؟ ابتسمت؟ تجمدت نظراتك؟ تكلمت كثيرا؟
..
الآن حاول أن تكتب هذه الفكرة أو هذا الشعور على الورق..
هل أدركت الفرق بين الكتابة وعدم الكتابة؟
إن كل مايجول بذهنك وشعورك هو عبارة عن أفكار ومشاعر غير مرئية _حتى بالنسبة إليك أحيانا _ ولكن ما أن تكتبها حتى تصبح ذات حيز مرئي واضح وملموس.

الكتابة إذن هي عميلة تحويل اللامرئي إلى المرئي .. واللامحسوس إلى المحسوس.

هي عملية قد تشبه إلى حد بعيد تحويل الشحنات الكهربائية (التي لا نستطيع أن نراها) في الغيوم إلى برق مرئي ثم إلى مطر ملموس.


2- الكتابة هي صوتك الشخصي.

لكنه صوت (مكتوب) بدل أن يكون منطوقا:
أنت عندما تكتب تتكلم.. وصوتك هو كلماتك المكتوبة.
تستطيع دائما أن تلتقط ورقة وقلما وتكتب كل مايجول في ذهنك.. أن تفرغ ذلك المحتوى وتصيغه بصوتك وحروفك.. ولكن كم منا من لديه الشجاعة فعلا لفعل ذلك!
كم مرة أخفيت جملة كنت ستقولها.. أو نقاشا كنت ستتناوله.. أو رأيا كنت سترميه هنا أو هناك لكنك أحجمت.
هل تستطيع أن تفعل ذلك الآن؟
لم لا تلتقط قلما وورقة صغيرة وتكتب عليها أي شيء يخطر في ذهنك هذه اللحظة.. جملة أو سطرا أو سطرين.. أي شيء!!

_أفكار وأفكار تجول في أذهاننا كل لحظة.. هي عبارة عن شحنات قد تأتي بالكثير من الأمطار والخيرات إن عرفنا كيف نضبطها ونخرجها كما هي إلى العالم المرئي مكتوبة على ورقة .


3- الكتابة تجعلك مراقبا دقيقا.

أساس التقييم السليم هو حسن المراقبة ودقة التوصيف.
فتح حواسك وركز على كل ماهو حولك.. ستجد من كل شيء مادة غنية للكتابة.. الروائح المناظر الوجوه.. العيون.. الأصوات.. ملمس الأشياء.. مذاق الأطعمة.. إن الكتابة هي ترجمة فعلية لحواسك المتفتحة التي تستقبل كل شيء بتركيز وتمعن.. وهي ما تجعلك لاحقا عندما تصبح عملية الكتابة يومية مراقبا دقيقا.. واعيا لما يدور حوله من أحداث بتفاصيلها.. فحواسك متنبهة حساسة تستطيع التمييز والتقاط الرسائل ونقلها إلى الحيز المحسوس المقروء.

4- الكتابة وسيلة تخاطب.. أحادي.. وثنائي:

التخاطب أو الحوار الأحادي يقوم بين الأنا والأنا.. بين وعي الإنسان ولا وعيه..
بين الإنسان ونفسه..
يكشف هذا التخاطب الغطاء عما يريد الإنسان أن يقوله لنفسه لكنه لا يجد الجرأة ولا يملك الشجاعة وقد يكون لا يملك الوقت لقوله.
يشبه هذا النوع من الكتابة أحيانا تلك اللحظات التي نقف فيها أمام المرآة ونقوم بالكلام أو الابتسام أو التمايل يمنة ويسرة كيما نرى شكلنا وصورتنا بشكل صحيح فنتوقع أنفسنا عندما نكون مع الآخرين.
هي حاجة للفهم الأمثل للنفس.. وتكويناتها ومشاعرها.. قبل أن تكون وسيلة عظيمة من وسائل التخاطب والتواصل والتعبير الثنائي.

أما الكتابة كوسيلة للتخاطب الثنائي فهي مرحلة تالية تأتي بعد إتقان وسيلة التخاطب الأحادي حيث يصبح المرء مستعدا لتصدير آرائه وتجاربه وفكره وشعوره للآخر أيا كان هذا الآخر (فردا أو جماعة) عن طريق صياغة هذه الأفكار أو الآراء أو التجارب أو الشعور بكلمات مكتوبة ومفهومة وفق نسق معين ولهدف معين.

5- آلة الزمن:

الكتابة هي حرية التجول الزمني..
هل سمعت عن آلة الزمن؟!
الكتابة هي آلة زمنية..
تستطيع دائما أن تقوم بجولة زمنية في عالمك.. اكتب عن الماضي.. تجول في حدائق ذاكرتك.. انبش الذكريات هنا وهناك.. نقب عن المنسي وعن القديم.. ابحث في الوجوه والأسماء والروائح والأماكن.. ثم افقز قفزة زمنية ضخمة نحو المستقبل.. تجول في مستقبلك المتخيل.. أو اكتب ما تتمنى أن تراه في مستقبلك.. صف كل التفاصيل الصغيرة والكبيرة التي تصادفك.. صف شكلك أو شكل المحيطين بك.. تستطيع في أي لحظة العودة إلى الحاضر وملء السطور الخاصة بالحال الحاضر.
تستطيع أيضا أن تخرج من الزمن إن أحببت.. أن تتكلم عن المفاهيم.. عن المشاعر.. عن القيم.. عن الكون بلا زمن.
اركب آلة الزمن وتمتع برحلة من صنعك الخاص.. اكتب.. وتحرر من القيد الزمني.

باختصار.. لماذا نكتب؟!
لأننا نحتاج أن نكتب:

نحتاج أن نبوح بما يجول في أنفسنا (لأنفسنا).
نحتاج أن نجعل الورقة مرآة لنا.. كي تعكس ذواتنا وحقائقنا.. فنرى أنفسنا صراحة على الورق.
نحتاج أن نخرج كل هذا التراكم الداخلي.. أن نحدده ونأطره في حروف وجمل مقروءة ومفهومة بالنسبة إلينا.. وعندئذ سنفهم الكثير.. وسيتطور وعينا الذاتي.
نحتاج أن نعبر بالطريقة الصحيحة فنصف ذواتنا وخلجاتنا كما هي تماما.. وأن نمتك القدرة على صياغة أحوالنا الداخلية بشكل صحيح صريح.. كي نستطيع فعلا أن نقول بأننا نفهم أنفسنا.. فنصالح أنفسنا.. ونصل إلى سلامنا الداخلي.

يتبع..