كفى بالمرء فراغا .. أن يمسك بوقا ويعلن للدنيا كل مايجول بنفسه ..
أن يحدثها بكل شيء .. وينشر فيها كل هذيان .. ويصيح كديك عضه الجنون في غامض الليل فصاح .. ونسي أن إعلان الصباح مرهون دوما بومضة النور الحقيقية.
كفى بالمرء غباء أن يضرب الرمل فيثير الغبار من حوله .. كلما علق بنفسه شعور أو بقايا شعور .. أو فكرة أو بقايا فكرة .. أو خبل من غرور أو هبل من نرجسية .. مدفوعا بحضور المصفقين .. أو سعيدا بوفرة المهللين وضوضاء المشجعبن ..
كفى بالمرء سخفا أن يعطس .. فيعلن بأنه عطس ..
أو أن يضحك .. فيذيع بأنه ضحك ..
أو أن يشتري رغيفا .. فيعرف القاصي والداني بأنه اشترى ذلك الرغيف .. (هذا إن لم يجعل من الرغيف الصغير قالب حلوى) ..
خير الكلام ماقل ودل .. وداء الأمة في كثرة الخطباء وقلة الفقهاء .. فلا تكن ممن أغراه الكلام فعجز عن السكوت .. حتى صار الكلام بالنسبة إليه إدمانا .. وصار الإعجاب تعاطيا .. فأمسى إن لم يجد ما يكتبه .. يعلك نفسه .. فيخترع الباطل كي يرضي غروره باتساع رقعة التصفيق.
أمسك لسانك وصن قلمك عن اللغو .. وإذا مررت به فقل سلاما .. واسلك طريق الحق وكلام الحق .. وأوجز .. فكثرة العلك من سخافة الطبع ورداءة المعدن .. أو من مكر الثعالب إذ تثغو كي تجمع من حولها قطيع الخرفان .. فاختر أي الشرين أنت إن فعلت !!
ولا يغيبنّ عن بالك أن كبح الفعل .. فعلٌ .. في زمن التخريب
وأن قلة الكلام .. كلامٌ .. في زمن الضجيج
وأن كبت التنطع من ضرورات الإيمان .. في زمن الفتن
فأحسن أحسن الله إليك .. ولملم ما تبعثر من فتات البشر بدل تفريقهم فما أخّر نصرنا إلا البعثرة .. واعقل قبل أن تكتب لعل الله يشد أزرنا من جديد ..
ولا تكن بوقا لأحد .. كن للحق والزم الحق .. فالغاية النبيلة .. لا تبرر غباءات الوسيلة ..
واعلم أن الحق لايحتاج أبواقا .. بل يحتاج قلوبا مضيئة.. وألسنة محسنة .. وأقلاما منذورة لنصرة ما يرضي الله .. بالطريقة التي ترضي الله .. لا بعض أفراد القبيلة ..
..