استيقظت اليوم فوجدت أني مستلق في سرير غير سريري
ووجدت مقابلي خزانة مشوهة ..غير خزانتي ..
وكان فيها ملابس من نفس قياسي لكنها ليست ملابسي .. وأشياء أستخدمها لكنها ليست أشيائي ..
ونظرت إلى يميني فرأيت النافذة .. كانت أضيق إطارا وأقل نورا وأكثر تسريبا للذباب
ونظرت إلى يساري فرأيت جدارا .. كان أكثر اصفرارا وأشد تعرجا ومليئا بالثقوب ..
نهضت مذعورا كي أبحث عني .. فوجدت مرآة شاحبة .. تبدو أشبه ببقعة ماء رمادية فوق رصيف داكن
نظرت فيها .. وفوجئت إذ رأيت نفسي ..
كنت نفسي كما نفسي لم تمسني أصابع التغيير ..
وأدركت حينئذ أن العالم كله قد أصيب بفقدان الذاكرة ..
فنسيني ..
رغم أني حتما .. مازلت موجودا.
…….
استيقظت غدا .. فوجدت سقف غرفتي غيمة شتوية .. تهطل منها الثلوج
كانت الغرفة باردة ككهف من جليد .. والثلج يغطي كل الزوايا ..
كان رماديا بعيدا عن البياض .. كثلوج الفقراء في الشاشة الروسية ..
أطرافي نصف محمرة ..
وأصابعي نصف مزرقة ..
تلحفت غطاء رقيقا فوقي فشعرت ببرد أكثر .. وبدأت أرتجف ..
كانت النافذة مغطاة بالثلوج أيضا ..
نهضت وكانت ركبي تتلوى تحتي ..
حاولت فتح النافذة .. لعلي أحظى ببعض الشمس فأتنفس ..
فاكتشفت أني في العراء .. وأني محبوس في الخارج بطريقة مهينة ..
وأن النوافذ لا تفتح إلى الداخل ..
فضممت نفسي على فكرتي وادعيت بأني نائم ..
…….
استيقظت في تاريخ لا أعرفه ..
فوجدتني في سريري ..
أداعب أصابع الشمس في صباح دمشقي
وأرقب الستائر التي ترقص كلما اقترب منها السنونو
أو غازلتها عطور القهوة الشامية
عن يميني حائط بلون العاج يحمل لوحة بلون الخريف
وعن يساري خزانة بيضاء بمقابض زرقاء تحتوي كل حياتي
وأمامي نافذة يعشقها الضوء ويرويها الصباح
كتبي تظهر في غرفة أخرى .. ملونة فوق رفوف بلا نهاية .. تحمل مئات العناوين التي اخترتها بنفسي ..
ونباتاتي الثلاث في زوايا االغرفة .. يختزلن النور في لمعات اللون الأخضر ..
وصوت يناديني من الداخل .. تفيض منه آيات الخشوع ..
هي أمي ..
أو حبيبتي ..
أو هي المدينة التي غسلت نفسها من آثار المرض .. تغني لأهلها المتعبين ترانيم الرجوع ..
…………